يقول المصنف: [ولا يصح تأويل من قَالَ: إن المراد باليد: القدرة، فإن قوله: ((لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ))[صّ:75] لا يصح أن يكون معناه: بقدرتي] والمصدر في لغة العرب لا يثنى فمثلاً كلمة الضرب تطلق عَلَى أي ضرب في أي زمان وفي أي مكان من أي إنسان صدر، فهي كلمة تستغرق كل الحدث الذي تدل عليه هذه الكلمة، والقدرة مثلاً: تستغرق كل ما يدل عَلَى ذلك المعنى؛ ولا يصح في لغة العرب بأي حال من الأحوال أن يثنى المصدر، وهذا شيء معلوم في لغة العرب.
ولو قال قائل: وكلمة " بيع " مصدر، فلماذا يقولون في كتب الفقه كتاب البيوع، وهذا جمع للمصدر فيجاب عنه: بأن هذا الاصطلاح حادث في اللغة العربية، فالأصل أن تقول: كتاب البيع، ثُمَّ تقول: والبيع أنواع، ولو كانت ألف نوع أو أكثر، فكلها تدخل تحت كلمة البيع، لأن البيع يشملها، وأيضاً فهذا الجمع باعتبار الأنواع، مثلاً -بيع النقد بالنقد هذا بيع، والبيع المحرم والجائز، وبيع الغرر، فيقول المصنفون:كتاب البيوع، كأنه يقول لك: هذا الباب أو هذا الكتاب يشمل بيع كذا وبيع كذا، فهذه ألفاظ اصطلاحية وهي ليست مما يحتج به في لغة العرب، وقيلت للدلالة عَلَى غرض معين وهو التنوع والتعدد، لأن كل بيع منها مصدر، ويستغرق كل ما يقع تحته لفظ ذلك المصدر.
فالمقصود: أنه لا يصح بأي حال من الأحوال أن تفسر قول الله: ((لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ))[صّ:75] بأنها لما خلقت بقدرتيّ لأنه إن كَانَ المقصود الحصر فهل ليس له إلا قدرتان، فلماذا لا تكون ثلاث أو أربع، أو أكثر؟
وإن أردنا أنها واحدة فلا يصح أن نقول: قدرَتَي بالتثنية وهي قدرة واحدة، ولو صح ذلك، وسلمنا جدلاً أنها قدرة، وأن المعنى ما منعك يا إبليس أن تسجد لما خلقت بقدرتي، لقال إبليس: وأنا أيضاً خلقتني بقدرتك، وكل المخلوقات مخلوقة بقدرة الله، فإذاً ينتفي الاختصاص.
ولا يصح لغة ولا يصح معنىً وتفسيراً أن يُقَالَ: إن اليد بمعنى القدرة؛ لأن القدرة صفة أخرى من صفات الله عَزَّ وَجَلَّ وهو عَلَى كل شيء قدير ومن أسمائه القدير، وكذلك فإن اليد من صفات الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولا تفسر هذه بهذه ولا نلغي تلك أبداً.